الرعاة الكاردينال ديل مونتي، فرا باولو ساربي، الأمير فريدريكو شازي، كوزيمو الثاني دي ميديتشي، فيرديناندو الثاني دي ميديتشي، مافيو باربريني
الدراسة
جامعة بيزا
الأكاديمي
ملاحظات أبوه فينتشنسو جاليلي كان موسيقار. عشيقة جاليليو جاليلي مارينا جامبا (1570 – 21 أغسطس عام 1612) أنجبت له إبنتان
(ماريا شيليسته (فيرجينيا، 1600 - 1634)، و ليفيا (1601 -
1959)، وكلاً منهما أصبحتا راهبتين) و إبن أسمه فينتشنسو (1606 - 1649)، عازف على العود.
جاليليو جاليلي (تنطق بالإيطالية: [ɡaliˈlɛːo ɡaliˈlɛi]؛ 15 فبراير 1564(3) – 8 يناير 1642)
هو عالم الفلك، و الفيزيائي، و المهندس، و الفيلسوف، و عالم الرياضيات(4) الإيطالي الذي كان له دوراً كبيراً في الثورة العلمية خلال عصر النهضة. و على نطاق واسع قد تم إعتباره أحد أعظم
العلماء على مر التاريخ. و من ضمن إنجازاته ما وضعه من تحسينات على التليسكوب و ما قد ترتب عليه من الأرصاد الفلكية التي
إكتشفها، و مناصرته لمبدأ مركزية الشمس. و لقد تم تسمية جاليليو "أبو الأرصاد الفلكية الحديثة"،(5) و "أبو الفيزياء الحديثة"،(6)(7) و "أبو
العلوم الحديثة".(8)
تتضمن مساهمات جاليليو في الأرصاد الفلكية
التأكيد التليسكوبي لأطوار كوكب الزهرة، و إكتشاف الأربعة أقمار الكبرى لكوكب المشترى (تم تسميتهم أقمار جاليليو تكريماً له)، و رصد و تحليل البقع الشمسية. كما أن جاليليو له أعمال في العلوم
التطبيقية و التكنولوجية، فقد إخترع و طور البوصلة العسكرية و العديد من الأجهزة الأخرى.
إن مناصرة جاليليو لمنظومة مركزية الشمس و الكوبرنيكية كانت مثار جدل طوال فترة حياته، و التي كان
معظم الناس فيها يؤيدون إما منظومة مركزية الأرض أو المنظومة التيكونية.(9) فقد واجه معارضة
من الفلكيين الذين شكوا في منظومة مركزية الشمس بسبب عدم وجود أي رصد لإختلاف المنظور النجمي.(9) و لقد قامت محاكم التفتيش الرومانية بالتحقيق في
الأمر و إنتهت إلى أنه يمكن إعتمادها فقط على كونها فرضية و ليس على كونها حقيقة
ثابتة.(9)(10) ثم قام جاليلوا
بالدفاع عن رؤيته في كتابه حوار يتعلق بمنظومتي العالم الرئيسيتين و التي قد بدت أنها تهاجم البابا أوربان الثامن و بالتالي نفر منه و من اليسوعييان الذين كانا يدعمان جاليليو حتى تلك اللحظة.(9) و لقد تمت
محاكمته أمام محاكم التفتيش و وجدوه "مشكوك بشدة في تورطه بالهرطقة" و
أجبروه على النكران و قضاء بقية حياته تحت الأقامة الجبرية في منزله.(11)(12) و لقد كتب
جاليليو أروع أعماله و هو قيد الأقامة الجبرية في منزله، و هي إثنين من العلوم الحديثة. و هو كتاب لخص
فيه أعماله التي أنجزها خلال الأربعين عاماً الماضية من حياته في إثنين من العلوم
التي نطلق عليها اليوم علم الحركة و علم مقاومة المواد.(13)(14)
بداية
حياته
بداية
حياته
لقد تم ولادة جاليليو جاليلي عام 1564(15) في مدينة بيزا (كانت في ذلك الحين جزء من دوقة فلورنسا)، إيطاليا، و كان
أول أبناء فنتشنسو جاليلي السته، و أبوه كان عازف عود ومُلِّحن و مُنَظِّر موسيقي مشهور، و أمه كانت جوليا أماناتي. و جاليليو
نفسه كان عازف عود بارع، و قد تعلم من والده في وقت مبكر مبدأ التشكك الصحي لترسيخ
السلطة القائمة(16) (قيمة القياس
الصحيح أو التجريب الكمي، و تقدير التكرار أو القياس الزمني للموسيقى أو الإيقاع،
فضلاً عن النتائج المضيئة و المتوقعة من زواج التجارب بالرياضيات). و لقد ظل على
قيد الحياة بعد مرحلة الطفولة ثلاثة أشقاء لجاليليو من أصل خمسة. كما أصبح أصغرهم
مايكل أنجلو (أو مايكل أجنلو) من عازفين العود و مؤلفين الموسيقى
المرموقين على الرغم من أنه كان من ضمن أعباء جاليليو المالية في مرحلة البلوغ
المبكرة. و كان مايكل أنجلو غير قادر على الوفاء بنصيبه العادل من إتفاق والدهم
المتعلق بمهور بناته، مما جعله يحاول لاحقاً الحصول على وسائل الإنتصاف القانونية
لمدفوعاته المستحقة. كما أن مايكل أنجلوا كان أحيانا يضطر إلى إقتراض أموال من
جاليليو ليدعم بها مساعيه و رحلاته الموسيقية. و لربما ساهمت هذه الأعباء المادية في
دفع جاليليو لتطوير إختراعاته في وقت مبكر حتى تجلب له مزيد من الدخل الإضافي.
الأبنة الكبرى المفضلة لجاليليو فيرجينيا (الاخت ماريا السماوية) كانت مكرسة حياتها بشكل خاص إلى والدها. و دفنت معاه في قبره بكاتدرائية سانتا كروتشي بفلورنسا.
لقد تمت تسمية جاليليو بإسم أحد أجداده
(جاليليو بونايوتي) الذي كان فيزيائياً و مدرساً جامعياً و سياسياً و عاش في
فلورنسا في الفترة ما بين 1370 و 1450؛ و في أواخر القرن الرابع عشر من هذه الفترة
تم تغيير إسم العائلة من بونايوتي إلى جاليلي. و لقد تم دفن جاليليو بونايوتي في
نفس الكنيسة (كاتدرائية سانتا كروتشي بفلورنسا) و التي بعد حوالي 200 عاماً قد دُفِنَ بها أيضاً أحد
أحفاده الأكثر منه شهرة - جاليليو جاليلي. و عندما بلغ جاليليو جاليلي سن الثامنة
إنتقلت عائلته إلى مدينة فلورنسا إلا أنهم تركوه في بيزا مع ياعقبوو بورغيني
لمدة عامين.(15) ثم تلقى تعليمه
في دير كامالدوليسي بفاللومبروزا، و هو يبعد مسافة 35 كيلومتر جنوب شرق فلورنسا.(15)
على الرغم من إخلاصه لمذهب الروم الكاثوليك(17) إلا أنه قد انجب
ثلاثة أطفال من علاقته الجنسية مع مارينا جامبا. فلقد كان لديهم إبنتان هما فيرجينيا عام
1600 و ليفيا عام 1601، بالإضافة إلى إبن إسمه فينتشنسو عام 1606.(18) و نتيجة لولادتهم
غير الشرعية فإن أبوهم قد إعتبر البنتين غير صالحتين للزواج (و ذلك إن لم يتظاهر
بالمشاكل المالية الباهظة اللازمة لمساعدتهما أو دفع مهور زواجهما، مثلما كان
الوضع سابقاً مع المشاكل المالية الكبيرة لجاليليو المتعلقة بزواج إثنين من أخواته البنات).(19) فلم يكن لهم إلا
الحياه الدينية فقط كبديل مستحق. فتم قبول كلاً من البنتين في دير سان ماتيو
بمدينة أرشيتري و مكثا هناك بقية حياتهما.(20) و لقد أخذت
فيرجينا إسم ماريا سليستي فور دخولها الدير. و توفيت في 2 إبريل من عام 1634 و تم دفنها مع جاليليو
في كاتدرائية سانتا كروتشي بفلورنسا. أما ليفيا فأخذت إسم الأخت أركنجيلا و كانت تعاني من
المرض معظم فترات حياتها. أما فينتشنسو فلقد تم تقنين وضعه لاحقاً كوريث شرعي لجاليليو و تزوج
بسيستيليا بوكينيري. (21)
حياته المهنية كعالم
جاليليو، و كبلر و نظريات المد و الجذر
الجدل حول المذنبات و
كتاب "الفاحص، (The
Assayer)"
الجدال حول المركزية
الشمسية
بورتريه تُنسب إلى موريللو عن جاليليو و هو يُحَدِّق في الكلمات "و إن كان فإنها تتحرك: بالإيطالية" المنقوشة على جدار زنزانته بالسجن (الكلمات لا تظهر في هذه الصورة)
وفاة جاليليو
المناهج العلمية
علم الفلك
رؤية كيبلر للإستعار
النجمي (سوبرنوفا)
كوكب المشترى
كواكب الزهرة و زحل و
نيبتون
البقع الشمسية
القمر
النجوم و درب التبانة
الفيزياء
سقوط الأجسام
الرياضيات
كتاباته
ملخص عن الأعمال المنشورة
لجاليليو
التراث
إعادة تقييم الكنيسة
لأعمال جاليليو في القرون اللاحقة
حياته المهنية كعالم
على الرغم من أن جاليليو جاليلي قد فكر بجدية
في الإنخراط بالعمل الكهنوتي في مرحلة الصبا، إلا أنه بدلا من ذلك قد إلتحق بجامعة بيزا للحصول على الشهادة الطبية تحت إلحاح والده.(22) و عندما كان يدرس
الطب في عام 1581 لاحظ تأرجح ثريا تحت تاثير حركة الهواء في أقواس صغيرة و
كبيرة. و لقد بدا له أن الثريا تحتاج نفس الوقت لإكمال حركتها ذهاباً و عودة بغض
النظر عن طول مسافة التأرجح أو قصرها، و إعتمد في تلك المقارنة على زمن تكرار
نبضات قلبه. و عندما عاد إلى منزله قام بنصب بندولين لهما نفس الطول و جعل أحدهما يتأرجح لمسافة
صغيرة و الآخر لمسافة كبيرة و وجد أنهما يحافظان مع بعضهما على نفس الزمن اللازم
لإكمال تأرجحهما. و إستلزم الأمر حوالي 100 عام حتى إستطاع كريستيان هيجنز الإستفادة من طبيعة الحركة البندولية في صناعة وسيلة دقيقة لقياس الزمن.(23) و حتى هذه اللحظة
و بطريقة مقصودة قد تم إبعاده عن الرياضيات (حيث أن الفيزيائي كان دخله أعلى من
دخل الرياضي)، و لكن بعد حضوره بالصدفه محاضرة عن الهندسة، طلب من والده الممانع
أن يسمح له بدراسة الرياضيات و الفلسفة الطبيعية بدلاً من الطب. (23) و لقد إخترع المقياس الحراري (الصورة البدائية من الترمومتر)، و في عام 1586 قام بنشر كتاب صغير عن
تصميم الميزان الهيدروستاتيكي الذي إخترعه (و هو أول أسباب إلتفات الأوساط العلمية
إليه). كما أن جاليليو قد درس أيضاً الديسنيو (مصطلح يشمل الفن التشكيلي)، و في
عام 1588 حصل على درجة موجه في أكاديمية الفنون و التصميم في فلورنسا، و قام بتدريس المناظير و التظليل. و لقد إكتسب جاليليو عقلية جمالية متاثراً
بالتراث الفني للمدينة و بأعمال فنانين عصر النهضة. و بينما كان مدرس صغير في
الأكاديمية بدأ صداقة عمره مع الرسام الفلورنسي تشيجولي الذي أدرج ملاحظات جاليليو عن القمر في أحدى لوحاته.(24)(25)
لقد تم تعيين جاليليو رئيس كرسي الرياضيات في
جامعة بيزا عام 1589. و في عام 1591 توفى والده و عُهِدَ إليه رعاية أخوه الأصغر مايكل أنجلو. و في عام 1592 إنتقل إلى جامعة بادووا حيث قام فيها بتدريس الهندسة، و الميكانيكا، و علم الفلك حتى عام 1610.(26) و في خلال هذه
الفترة قام جاليليو بكشف الغطاء عن العديد من الإكتشافات الكبيرة في كلاً من العلوم الأساسية البحتة (على سبيل المثال: علم الحركة و
الفلك) فضلاً عن العلوم التطبيقية العملية (على سبيل المثال: مقاومة المواد، و
تطوير التليسكوب). و كان من ضمن إهتماماته المتعددة دراسة علم التنجيم، و الذي كان
في هذه الفترة يُعتبر تخصص مرتبط بدراسة الرياضيات و علم الفلك.(27)
جاليليو، و كبلر و نظريات المد و الجذر
لقد كتب الكاردينال بيللرميني في عام 1615 أن
النظام الكوبرنيكي لا يمكن الدفاع عنه بدون "شرح فيزيائي حقيقي يوضح أن الشمس لا تدور
حول الأرض بل الأرض هي التي تدور حول الشمس".(28) فإستند جاليليو
إلى نظريته عن المد و الجذر لتقديم الإثبات الفيزيائي المطلوب لحركة الأرض. و كانت
هذه النظرية في غاية الأهمية إلى جاليليو لدرجة أنه كان في الأصل يريد تسمية كتابه
حوار يتعلق بمنظومتي العالم الرئيسيتين بإسم حوار يتعلق بمد البحار و
جذرها.(29) و تمت إزالة
الإشارة إلى المد و الجذر بأمر من محاكم التفتيش.
كانت عملية المد و
الجذر بالنسبة لجاليليو سببها هو تحرك المياه إلى
الأمام و الخلف في البحار كدليل على تسارع و تباطئ سطح الكرة الأرضية نتيجة
دورانها حول محورها و حول الشمس. و لقد نشر أول رؤية له عن عملية المد و الجذر في
عام 1616، و وجهها إلى الكاردينال أورسيني.(30) و لقد أعطت
نظريته أول رؤية عن أهمية شكل أحواض المحيطات في حجم و توقيت عملية المد و الجذر؛
فهو بشكل صحيح قد نسب إليها صغر تأثير المد و الجذر حتى منتصف المسافة على طول
شواطئ البحر الأدرياتيكي مقارنة بتأثيرها عند نهاية شواطئه. و على الرغم من ذلك فإن نظريته كانت
فاشلة من ناحية المرجعية العامة لأسباب عملية المد و الجذر.
إن نظرية جاليليو إذا كانت صحيحة فسنجد حدوث
مد واحد مرتفع يومياً. و جاليليو و معاصريه كانوا على دراية بهذا الضغف في النظرية
حيث كان المد يحدث مرتين يوميا على سواحل مدينة البندقية بدلاً من مرة واحدة، و يفصل بين المد الأول و الثاني 12
ساعة. و لقد رفض جاليليو هذه المفارقة و أرجعها لعدد من العوامل الثانوية من ضمنها
شكل البحر و عمقه و عوامل أخرى.(31) و بخلاف التأكيد
على أن جاليليو كان مخادع في طرح هذه الحجج، فإن ألبرت أينشتاين قد أعرب عن رأي
مفاده أن جاليليو قد طرح "حججه الرائعة" و قبلها دون تمحيص إنطلاقا من
الرغبة في الإثبات الفيزيائي لحركة الأرض.(32) و لقد رفض
جاليليو الفكرة التي طرحها يوهانس كبلر المعاصر له و التي تفيد بأن حركة القمر هي
السبب في تكوين المد و الجذر.(33) كما أنه رفض
ايضاً رؤية كبلر عن المدارات البيضاوية لحركة الكواكب،(34) بإعتبار أن
الدائرة هي الشكل المثالي لهذه المدارات.
الجدل حول المذنبات و
كتاب "الفاحص، (The
Assayer)"
في عام 1619 خاض جاليليو في جدال مع الأب أورازيو جراسي (أستاذ الرياضيات بكلية رومانو اليسوعية). و لقد بدأ الأمر كخلاف حول طبيعة
المذنبات، و أصبحت في عام 1623 جدال أوسع نطاقاً حول الطبيعة الاصيلة للعلوم ذاتها
عندما قام جاليليو بنشر كتاب "الفاحص" (II Saggiatore)،
و هذا الكتاب يعتبر أخر طلقة من طلقات مدفعه في هذا الخلاف. و نجد على صفحة
العنوان من هذا الكتاب وصف لجاليليو بإعتباره الفيلسوف و "الرياضي
الأول" بدوقية توسكانيا الكبرى.
لقد تم إعتبار كتاب الفاحص أنه الوثيقة
العلمية الرسمية لجاليليو، و ذلك نظراً لأنه يحتوي على ثروة من الأفكار عن كيفية
التعامل مع العلوم.(35) و بدأ الموضوع في
سنة 1619 عندما قام الأب جراسي بنشر كتيب مجهول الهوية بعنوان "خلاف فلكي في
عام 1618 عن ثلاثة مذنبات"،(36) و الذي يناقش
طبيعة مذنبات ظهرت في أواخر شهر نوفمبر من العام السابق. و لقد إختتم جراسي ذلك
العمل بإستنتاج أن هذه المذنبات عبارة عن أجسام نارية قد تحركت على جزء من محيط
دائرة كبيرة يبعد مسافة ثابتة عن الكرة الأرضية،(37) و بما أنها تتحرك
في السماء بسرعة أبطئ من سرعة القمر فلابد أن تكون على مسافة ابعد من القمر.
لقد تم إنتقاد جدالات و إستنتاجات جراسي في
مقال لاحق بعنوان مناقشة حول المذنبات(38) تم نشره تحت إسم
من أسماء تلاميذ جاليليو - و هو محامي فلورنسي يدعى ماريو جويدوتشي – على الرغم من أن جزء
كبير من هذه المقالة قد كتبها جاليليو بنفسه.(39) إلا أن جاليليو و
جويدوتشي لم يقدما بانفسهم نظرية حاسمة عن طبيعة المذنبات،(40) على الرغم من
أنهم قد أظهروا تخمينات أولية معروفة بخطئها في الوقت الحاضر. و نجد في إفتتاحية
الرسالة أن محاضرة جاليليو و جويدوتشي تحتوي على إهانة غير مبررة للياسوعي كريستوفر شاينر،(41) و ملاحظات عديدة
لا طائل منها حول أساتذة الكلية الرومانية كانت منتشرة في جميع أنحاء العمل.(42) فالياسوعيون قد
غضبوا،(43) و بسرعة رد جراسي
بمسلكه الجدلي في كتابه "الميزان الفلكي و الفلسفي"(44) تحت إسم مؤلف
مستعار "لاتاريو سارسيو جيسنسانو"(45) بإدعاء أنه من
أحد تلاميذه.
إن كتاب الفاحص كان الرد الساحق على كتاب
ميزان الفلكيين.(46) و على نطاق واسع
تم إعتباره تحفة الأدب الجدلي،(47) و التي من خلالها
تعرضت حجج "سارسي" إلى الأحتقار الشديد.(48) و لقد لاقت
إستحسان كبير، و خصوصاً أنها أسعدت البابا الجديد (أوربان الثامن) الذي تم إهداء
الكتاب إليه.(49) و في روما – في
العقد السابق لذلك – كان باربريني (البابا أوربان في المستقبل) يقف إلى جانب
جاليليو و أكاديمية لينشين.(50)
إن خلاف جاليليو مع جريسي قد تسبب في نفور
دائم بينه و بين كثير من الياسوعيين الذين كانوا في السابق متعاطفين مع أفكاره،(51) كما كان جاليليو
و أصدقائه مقتنعين بأن هؤلاء الياسوعيين هم السبب في إلصاق الإدانة إليه لاحقاً.(52) بينما الدليل على
ذلك هو في أحسن الأحوال ملتبس و مبهم.(53)
الجدال حول المركزية
الشمسية
إن أغلبية الناس المتعلمين في العالم
الكالثوليكي قبل صراع جاليليو مع الكنيسة كانوا إما مناصرين لمركزية الأرض الأروسطوتية التي ترى أن الأرض هي مركز الكون و أن كل الأجرام السماوية تدور حولها،(54) او مناصرين للنظام التيكونيكي الذي يجمع بين مركزية الارض و مركزية الشمس.(55) و كانت المشكلة
الاساسية مع أي نظرية من نظريات المركزية الشمسية إنها لو كانت حقيقية فلابد أن
يصاحبها رصد لظاهرة إختلاف المنظور النجمي، و هذا ما لم يحدث. و بما أن حجم
"الكون" ضخم فإن رصد منظور الإختلاف النجمي يصبح أكثر صعوبة، و لم تتوفر
أجهزة تتمتع بحساسية تؤهلها لرصد هذه الظاهرة حتى القرن التاسع عشر (رغم أن رصد
الإنحراف النجمي في القرن الثامن عشر كان سيؤدي إلى قبول نظرية المركزية الشمسية
على نطاق واسع). و على الرغم من أن نظريات المركزية الشمسية قد تم تداولها منذ
العصور الوسطى، إلا أنه قد تم إحيائها على يد نيكولاس كوبرنيكس. و بما أن منظومة كوبرنيكس لا تحتاج إلى
الإستخدام المكثف لأفلاك التدوير التي إحتاجتها النظريات الأخرى، فإنها كانت بسيطة. و لقد إفترض كوبرنيكس
أن رصد إختلاف المنظور النجمي كان ضعيفاً نظرا لأن النجوم بعيدة جداً عن الأرض. و
لقد إحتج تايكو براهي بناءً على أن النجوم لها حجم ظاهري يمكن قياسه، فإنها لو
كانت بعيدة كما تتطلب نظرية مركزية الشمس، فإنها ستكون أيضاً في غاية الضخامة، و
في الحقيقة ستكون أكبر من الشمس أو أي جرم سماوي آخر. إلا أننا على خلاف ذلك نجد
في نظام تايكو أن النجوم تقع مباشرة خلف كوكب زحل، و أن الشمس و النجوم لها أحجام
متقاربة.(56) و في تلك الفترة
لم تكن هناك معارضة لمنظومة مركزية الشمس من أي مؤسسة حينها، لدرجة أن البابا جورج الثالث عشر قد إستخدمها
لتحسين التقويم في عام 1582.(57)
لم تكن نظرية مركزية الشمس مثار جدل نسبي في
السنوات التي تلت كوبرنيكس، على الرغم من أن عدم وجود رصد لمنظور الإختلاف النجمي
قد منع الناس من قبولها على أنها حقيقة فيزيائية.(55) إلا أن الأمر
الأكثر خطورة (على الأقل في إيطاليا) – في أعقاب الإصلاح المضاد و الصراع الذي سيبلغ ذروته في حرب الثلاثين عاماً – كان هو مناهضة السلطة
الباباوية.(55) و تتضمن المراجع
التوراتية التي تم إستخدامها في الهجوم على منظومة المركزية الشمسية ترنيمة 93:1، و 96:10، و أحد أخبار الأيام 16:30 يحتوي على نصوص تدل
على أن "العالم راسخ، و لا يمكن أن يتحرك." و بنفس الطريقة نجد أن ترنيمة 104:5 تقول، "إن الرب قد وضع الأرض على قواعدها؛ فلا يمكن أبداً أن
تتحرك". كما أن الكتاب الكنائسي 1:5 ينص على أن
"الشمس تشرق و تغرب و تعود إلى مكانها."(58) و لقد قام
جاليليو بالدفاع عن منظومة المركزية الشمسية، و حاجج في رسالته إلى دوقة كريستينا أنها لا تتعارض مع نصوص الكتاب
المقدس. و لقد أخذ المذهب الأوغسطيني الذي لا يحتاج دائما إلى تفسير الأشعار، أو
الأغاني، أو التعليمات أو البيانات التاريخية الموجودة في الكتاب المقدس تفسيراً
حرفياً. كما حاجج جاليليو أيضاً بأن مؤلفين نصوص الكتاب المقدس قد كتبوها من منظور
العالم الارضي الذي تشرق الشمس فيه و تغرب، و ناقش أنواع مختلفة من حركة الأرض،
ليست الحركة الدورانية.(59)
في عام 1615 كتب جاليليو عن المركزية الشمسية
و تم تقديمه إلى محاكم التفتيش الرومانية، و على الرغم من ذلك فإن جريمته الأعظم(9) هي محاولته إعادة
تفسير الكتاب المقدس، و ذلك الأمر تم إعتباره مخالف لمجلس ترينت و تم النظر إليه على أنه يمثل نفس خطورة
التيار البروتوستانتي.(60) و ذهب جاليليو
إلى روما للدفاع عن نفسه و عن أفكارة المتعلقة بالكوبرنيكية و الكتاب المقدس. و في
بداية عام 1616 بدأ المنسنيور فرانشيسكو إنجولي نقاش مع جاليليو، فقد أرسل إليه
بحث يشكك في المنظومة الكوبرنيكية. و لاحقاً ذكر جاليليو أنه يعتقد بأن هذا البحث
كان له دور أساسي في العمل ضد الكوبرنيكية التي ظهرت من بعده.(61) و طبقا لموريتشي
فونيكيارو فإن إنجولي ربما قد كلفته محاكم التفتيش بكتابة رأي الخبراء في هذا
النزاع، و لقد مثّل هذا المقال "الأساس المباشر و الأهم" لإتخاذ إجراءات
محاكم التفتيش.(62) و ركز المقال على
ثمانية عشر حجة فيزيائية و رياضية في مواجهة المركزية الشمسية. و هذا البحث إستعار
أفكاره بشكل أساسي من حجج تايكو براهي، كما أنها ذكرت بوضوح حجة براهي بأن مركزية
الشمس تتطلب أن يكون حجم النجوم أكبر من حجم الشمس. و كتب إنجولي بأن المسافة
البعيد للنجوم في نظرية المركزية الشمسية "يثبت بوضوح ... أن حجم النجوم
الثابته سيتعدى حجم مدار الأرض نفسها حول الشمس أو يساويها."(63) كما يتضمن البحث
أيضاً أربعة حجج لاهوتية، إلا أن إنجولي إفترض أن جاليليو يركز على الحجج الرياضية
و الفيزيائية و لم يذكر أفكار جاليليو عن الكتاب المقدس.(64) و في فبراير من
عالم 1616 أعلنت لجنة التحقيق أن نظرية المركزية الشمسية "حمقاء و سخيفة من
الناحية الفلسفية، و رسمياً إعتبرتها هرطقة نظراً لانها تتعارض بصراحة في العديد
من المواضع مع روح الكتاب المقدس." كما وجدت محاكم التفتيش أن فكرة حركة
الأرض "تستحق نفس الحكم الفلسفي و ... و بالنظر في الإيمان اللاهوتي فإنها على
أقل تقدير تعتبر خطيئة إيمانية."(65) (الوثيقة الاصلية من لجنة التحقيق تمت إتاحتها للجمهور بتاريخ
2014.(66))
لقد أصدر البابا بول الخامس توجيهاته إلى الكاردينال بيللرميني بتوصيل
هذه النتائج إلى جاليليو، و أمره بالإبتعاد عن الرأي القائل بأن المركزية الشمسية
هي حقيقة فيزيائية. و في 25 فبراير تم إستدعاء جاليليو إلى مقر بيللرميني و تم
توجيه الأوامر إليه
...
بالإبتعاد و بشكل نهائي عن ... الآراء القائلة بأن الشمس ساكنة في منتصف العالم و
الأرض تتحرك، و من الآن فصاعداً عدم التَمَسُّك، أو تعليم، أو الدفاع عنها بأي شكل
من الأشكال سواءً كان بالقول أو الكتابة.
– الإنذار القضائي لمحاكم التفتيش ضد
جاليليو، 1616(67).
إن المرسوم بقائمة الكتب المحظورة قد منعت تداول كتاب كوبرنيكس "
De Revolutionibus"
و الأعمال الأخرى المتعلقة بمركزية الشمس حتى يتم تصحيحها.(67) و لم تمنع
تعليمات بيللرميني جاليليو من مناقشة مركزية الشمس من ناحية كونها فكرة رياضية و
فلسفية ما لم يناصرها من ناحية كونها حقيقة فيزيائية.(9)(68)
لقد مكث جاليليو على مدى العقد التالي بعيداً
عن هذا الخلاف. و لقد شجعه على إحياء مشروعه عن الكتابة في الموضوع إنتخاب
الكاردينال مافيو باربريني في منصب البابا أوربان الثامن، عام 1623. فباربريني كان صديق لجاليليو و
معجب باعماله، و كان معارض لحكم الإدانة الصادر في حقه عام 1616. و النتيجة كانت
كتاب جاليليو "حوار يتعلق بمنظومتي العالم الرئيسيتين" الذي تم نشره عام 1632 بتصريح رسمي من البابا و محاكم التفتيش.(69)
قبل ذلك قد طلب البابا أربان الثامن من
جاليليو بشكل شخصي أن يتضمن الكتاب حجج مضادة لنظرية مركزية الشمس جنباً إلى جنب
الحجج التي تناصرها، و أن يراعي عدم مناصرته الشخصية لهذه النظرية. كما طلب منه
أمراً آخر، و هو أن يتضمن كتاب جاليليو رؤية البابا الشخصية في الموضوع. إلا أن
الطلب الأخير هو الوحيد الذي تم الوفاء به في الكتاب.
سواء عن قصد أو جهل فإن سيمبليتشو – الشخصية
المدافعة عن الرؤية الأروسطوتية لمركزية الأرض في كتاب جاليليو "حوار يتعلق
بمنظومتي العالم الرئيسيتين" – غالباً ما كان يتم التصيد لأخطائه و أحياناً
كان يظهره جاليليو بمظهر الأحمق في الكتاب. فبالفعل على الرغم من أن جاليليو قد نص
في إفتتاحية الكتاب أن هذه الشخصية قد تم تسميتها على إسم الفيلسوف الأروسطاتي
المشهور (بالاتيني: سمبليشيوس، و بالإيطالي: سيمبليتشو)، فإسم سيمبليتشو
بالإيطالي لها أيضاً مفهوم "المغفل".(70) إلا أن هذا
التصور لشخصية سيمبليتشو قد أظهرت كتاب جاليليو "حوار يتعلق بمنظومتي العالم
الرئيسيتين" على أنه كتاب يدعوا إلى: الهجوم على الرؤية الأروسطاتية لمركزية
الأرض و الدفاع عن النظرية الكوبرنيكية. و لسوء حظ علاقته مع البابا، فإن جاليليو
قد وضع كلمات البابا يوربان الثامن على لسان سيمبليتشو.
إن معظم المؤرخين إتفقوا على أن جاليليو لم
يتصرف بحقد تجاه الشعور بالصدمة الناجمة عن رد الفعل على كتابه.(71) و مع ذلك فإن
البابا أخذ سخرية العامة المشكوك فيها و الدعوة للكوبرنيكية على محمل الجد.
لقد خسر جاليليو احد اكبر مناصرية و أكثرهم
نفوذا (و هو البابا أوربان الثامن)، و تم إستدعائه إلى روما ليدافع عن كتاباته(72) في سبتمبر من عام
1632. و وصل أخيراً في فبراير من عام 1633 و تم إحضارة ليمثل أمام المحقق فينتشنزي ماكولاني ليواجه التهم المنسوبة إليه. و خلال محاكمته
أصر جاليليو بثبات على أنه منذ عام 1616 قد حافظ بكل إخلاص على وعده بعد التمسك
بتلك الآراء المدانة، و في البداية انكر حتى الدفاع عنها. و مع ذلك فقد تم إقناعه
بالإعتراف بأن القارئ "للحوار" من الممكن أن يكون قد حصل الإنطباع بأن
الكتاب يهدف إلى الدفاع عن الكوبرنيكية، و ذلك خلافاً لمقصده الحقيقي. و في ضوء
إنكار جاليليو الغير قابل للتصديق - بأنه لم يتمسك مطلقاً بالافكار الكوبرنيكية من
بعد عام 1616 أو حتى النية للدفاع عنها في "الحوار" – فقد إختتمت
مسائلته بتهديده بالتعذيب إذا لم يقول الحقيقة إلا أنه حافظ على إنكاره بالرغم من
التهديد.(73)
لقد تم تسليم حيثيات حكم محكمة التفتيش في 22
يونيو. و كانت تتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية:
·
لقد وجدنا أن جاليليو "مشتبه بقوة في تورطه بالهرطقة "، و
بالتحديد فقد وجدناه متمسك بالأراء التي تقول بأن الشمس تقع بدون حركة في مركز
الكون، و أن الأرض تتحرك و ليست في مركز الكون، و أن أي فرد يمكنه التمسك و الدفاع
عن أي رأي حتى ولو بعد الإعلان عنه أنه مخالف لنصوص الكتاب المقدس. و كان لزاماً
عليه أن "يتخلى، و يلعن، و يكره" تلك الآراء.(74)
·
لقد تم الحكم عليه رسمياً بالسجن المؤبد بناء على طلب محكمة التفتيش.(75) و لقد خفف الحكم
في اليوم التالي إلى الإقامة الجبرية، و التي ظل تحت حكمها بقية حياته.
·
لقد تم حظر تداول حواره المخالف، و من ضمن الإجراءات التي لم يعلن عنها في
المحاكمة حظر نشر أي عمل من أعماله، و يتضمن ذلك أي عمل قد يكتبه في المستقبل.(76)
بورتريه تُنسب إلى موريللو عن جاليليو و هو يُحَدِّق في الكلمات "و إن كان فإنها تتحرك: بالإيطالية" المنقوشة على جدار زنزانته بالسجن (الكلمات لا تظهر في هذه الصورة)
وفقاً للإسطورة الشعبية، فإن جاليليو بعد أن
أنكر نظريته التي ترى أن الأرض تتحرك حول الشمس، فإنه قد تمتم بالعبارة المتمردة
"و إن كان فإنها تتحرك: بالإيطالية ". و في فترة الأربعينيات من القرن السابع عشر قام
الرسام الاسباني بارتولومى إستيبان مورييو بتصوير المسجون جاليليو و كأنه يحدق في الكلمات المكتوبة على جدار زنزانته
"و إن كان فإنها تتحرك: بالإيطالية"؛ و بارتولومي هو فنان أسباني من نفس
مدرسة جاليليو، و العبارة المذكورة كانت مختفية في اللوحة حتى تم ترميمها في عام
1911. إن أول تقرير مكتوب و معروف عن هذه الأسطورة يرجع تاريخه إلى القرن التالي
لوفاة جاليليو، إلا أن ستيلمان دريك قد كتب "لا يوجد شك الآن في أن الكلمات
المشهورة منسوبة بالفعل إلى جاليليو قبل وفاته".(77)
بعد فترة ودية قضاها مع أسكانيو بيكولوميني (مطران مدينة سيانا) قد تم السماح لجاليليو في عام 1634 بالعودة إلى منزله
بمدينة أرشيتري التي تقع بالقرب من فلورنسا، و التي قضى فيه بقيته حياته تحت
الإقامة الجبرية. و لقد تم توجيه الأوامر لجاليليو بقراءة السبعة مزامير التكفيرة مرة كل إسبوع
لمدة الثلاث سنوات التالية. و مع ذلك فإن إبنته ماريا السماوية قد خلصته من هذا
العبئ بعد أن تكفلت بأخذ الإذن الكنسي بأن تأخذ على عاتقها هذا الأمر.(78)
لم تمض إلا فترة وجيزة حتى خصص جاليليو وقته
و هو تحت الإقامة الجبرية لإتمام واحدة من أروع أعماله، إثنين من العلوم الجديدة. و في تلك الفترة
قد قام بتلخيص مجهود قد بذله لمدة تقترب من إربعين عاماً سابقة في علمين يطلق
عليهم الآن علم الحركة و مقاومة المواد، و التي تم نشرها في هولندا للهروب من الرقابة. و لقد لاقى هذا الكتاب
ثناء كبير من العالم ألبرت أينيشتاين.(79) و نتيجة لهذا
المجهود فإن جاليليو غالباً ما كان يُطلق عليه لقب "أبو الفيزياء
الحديثة". و جاليليو أصبح في عام 1638 اعمى تماماً و كان يعاني من آلام الفتق و الأرق، و لذلك قد تم السماح له بالسفر إلى فلورنسا
للحصول على المشورة الطبية.(13)(14)
إن دافا سوبل قد قدم حجج تفيد بان البابا أوربان الثامن
قبل محاكمة جاليليو و الحكم عليه في عام 1633 قد أصبح مشغول البال بالمؤامرات التي
تدار في البلاط الملكي، و مشاكل الدولة، و بدأ يخاف على حياته نفسها من الإضطهاد
أو التهديد. و في هذا السياق قد قدم دافا سوبل حجج تفيد بأن مشاكل جاليليو قد تم
عرضها على البابا من خلال العاملون في البلاط الملكي و أعداء جاليليو. و بناء على
الإتهامات التي وجهت إلى أوربان بالضعف في الدفاع عن الكنيسة، فإنه قام بإتخاذ
إجراءات ضد جاليليو بدافع الخوف و الغضب.(80)
وفاة جاليليو
لقد إستمرت جاليليو في إستقبال زائريه من بعد
إصابته بالحمى و خفقان القلب حتى توفى في 8 يناير عام 1642 عن عمر يناهز77 عاماً.(13)(81) و لقد أبدى دوق
توسكانيا الاعظم (فيرديناندو الثاني) رغبته في دفن جاليليو جاليلي في داخل المبنى الرئيسي لكاتدرائية سانتا كروتشي بجوار ضريح والده و أجداده الآخرين، و إقامة ضريح من الرخام تكريماً له.(82)
مع ذلك فإن هذه الخطط قد تم التنازل عنها
بعدما قام كلا من البابا أوربان الثامن و إبن أخيه (الكاردينال فرانسيسكو
باربريني) بالأعتراض عليها(83)، و ذلك نظراً لان
جاليليو قد قامت الكنيسة الكاثوليكية بإدانته "بالإشتباه القوي
بالهرطقة".(84) و بدلاً من ذلك
فقد تم دفنه في غرفة صغيرة بجوار مصلى المبتدئين في آخر الممر الواصل بين جناح
الكنيسة الجنوبي من الكتدرائية إلى غرفة المقدسات.(85) و في عام 1737 تم
إعادة دفنه في المبنى الرئيسي للكتدرائية بعد تشييد نصب تذكاري تكريماً له.(86) و لقد تمت إزالة
ثلاثة صوابع و ضرس من رفاته أثناء عملية الإنتقال.(87) و أحدى هذه
الأصابع (الإصبع الأوسط من اليد اليمنى لجاليليو) معروض حالياً بمتحف جاليليو
بفلورنسا، إيطاليا.(88)
المناهج العلمية
لقد أسهم جاليليو في وضع الأساس لعلم الحركة من
خلال توليفة مبتكرة من التجربة و الرياضيات.(89) و هو منهج أكثر
شبهاً بالمنهج العلمي، و ذلك في الوقت الذي ظهرت فيه الدراسات النوعية لوليام جيلبرت في المغناطيسية و الكهربائية. و لقد قام والد جاليليو (فينتشنزو جاليلي، و هو عازف عود و مُنَظِّر موسيقي) بإجراء تجارب لإنشاء ما قد يكون
أقدم علاقة غير خطية معروفة في الفيزياء: تختلف نغمة الوتر مع الجذر التربيعي لمقدار
الشد.(90) و هذه الملاحظات
تقع ضمن الأعراف الموسيقية الفيثاغورثية (المعروفة جيدا لدى صانعي الآلات الموسيقية) و التي تتضمن الحقيقة القائلة
بأنه عند قسمة طول الوتر على أرقام صحيحة ينتج عنها مقياس متناغم. و لذلك فإن
مقدار محدود من الرياضيات له علاقة وطيدة مع علم الموسيقى و الفيزياء، و لقد كان
جاليليو الصغير يشاهد ملاحظات والده تتوسع في هذه الأعراف الموسيقية.(91)
إن جاليليو كان من أول المفكرين في العصر
الحديث الذين نصوا على أن قوانين الطبيعة هي قوانين رياضية. و لقد كتب في كتابه الفاحص
"لقد تم كتابة الفلسفة في هذا الكتاب الكبير (الكون) ... لقد تمت كتابتها
بلغة الرياضيات، و أحرفها هي المثلثات، و الدوائر، و الأشكال الهندسية الأخرى؛
..."(92) و لقد أضاف
تحليله الرياضي مزيد من التطور على الأعراف التي قد قام بتوظيفها المتأخرين من رواد
مدرسة الفلسفة الطبيعية، و التي قد تعلمها جاليليو أثناء دراسته للفلسفة.(93) و مجهوده قد أضاف
علامة في المساعي التي تهدف إلى الفصل النهائي للعلم عن كلاً من الفلسفة و الدين؛
و ذلك يُعتبر تطور كبير في الفكر الإنساني. و كان في غالب أمره يرحب بتغيير رؤيته
بناء على ما يتوافق مع الملاحظات التجريبية. و من أجل أن يقوم بتجاربه، فإنه كان
لزاماً عليه أن يضع معايير للطول و الزمن، و ذلك حتى يمكن عمل المقارنة بين نتائج
التجارب التي تتم في معامل مختلفة و أوقات مختلفة بطريقة إستنساخية. و ذلك يقدم
الأساس الذي يمكن الإعتماد عليه لتأكيد القوانين الرياضية بإستخدام منطق الإستدلال الإستقرائي.
لقد أظهر جاليليو التقدير العصري للعلاقة
السليمة بين الرياضيات، و الفيزياء النظرية، و الفيزياء التجريبية. فإنه قد فهم القطع المكافئ من جانب القطاعات المخروطية و من جانب تغير الإحداثي الصادي (y) بتغير مربع الإحداثي السيني (x).
و لقد أكد والد جاليليو أن القطع المكافئ هو المسار المثالي و النظري لقذيفة متسارعة بإنتظام في
غياب عوامل الإحتكاك و المعوقات
الأخرى. و لكنه إعترف بأنه توجد حدود لصلاحية هذه النظرية، و وضح بناءً على قاعدة
نظرية بأن مسار مقذوف في حجم مقارب لحجم الأرض لا يمكنه أن يأخذ شكل القطع المكافئ،(94) إلا أنه قد أصر
على أن مسار المقذوفات التي تقع في نطاق مسافة مقذوفات المدفعية المتوفرة في أيامه
لا تنحرف إلا إنحرافاً بسيطاً جداً عن شكل القطع المكافئ.(95)
علم الفلك
قام جاليليو بصناعة تليسكوب يعمل على تكبير
الصورة ثلاثة أضعاف (3x)،
و ذلك بعد عام واحد من محاولة هانز ليبرشاي في هولندا عام 1608(96) الحصول على برائة
إختراع لأول تليسكوب عملي قام بإختراعة، و جاليليو قام بصناعة تليسكوبه بناء على
وصف غير دقيق لتليسكوب هانز ليبرشاي. ثم قام بعمل عدد من النسخ المُحسنة من ذلك
التليسكوب وصلت قدرة تكبير الصورة فيها إلى ثلاثون ضعفاً (30x).(97) و كان يُمكن
للمراقب أن يرى من خلال تليسكوب جاليليو الصور المُشاهدة على سطح الأرض قائمة و مُكبرة – و كانت معروفة في ذلك
الوقت بإسم التليسكوب الأرضي أو المنظار. كما أن جاليليو كان يمكنه أيضاً إستخدام
ذلك المنظار في مراقبة السماء، و ذلك في فترة كان فيها أحد الذين يمكنهم صناعة
تليسكوبات بجودة كافية لأداء ذلك الغرض. و في أغسطس من عام 1609 قام بعرض أحد تليسكوباته
الأولى على نائب من نواب البرلمان الفنيسي، و كانت قدرة تكبير ذلك التليسكوب تتراوح بين ثمانية
إلى تسعة أضعاف. كما كانت تليسكوباته تعود عليه أيضاً بهامش ربح عندما قام ببيعها
إلى التجار، و التي وجدوها مفيدة لهم في الحركة عبر البحار و كعنصر تجاري مفيد. و
لقد قام بنشر أول مرصوداته الفلكية بذلك التليسكوب في مارس من عام 1610، و ذلك في
مقال له بعنوان "رسول النجوم".(98)
رؤية كيبلر للإستعار
النجمي (سوبرنوفا)
لقد رصد كيبلر و آخرون الإستعار النجمي في
عام 1572. و رسالة أوتافيو برينزوني إلى جاليليو في 15 يناير عام 1605 قد إستدعى
إنتباهه إلى الإستعار النجمي المرصود عام 1572 و الإستعار الأقل منه توهجا المرصود
عام 1601. ففي عام 1604 قام جاليليو بمشاهدة و مناقشة الإستعار النجمي المنسوب لكيبلر. و بما أن هذه النجوم الجديدة لم تظهر إختلاف منظور نهاري يُمكن إكتشافه، فإن جاليليو إستنتج أنها نجوم تقع على مسافات بعيدة، و
بالتالي أثبت عدم صحة الإعتقاد الأروسطاتي بثبات الأجرام السماوية.(99)
كوكب المشترى
في هذه الصفحة نجد أول ملحوظة لجاليليو بشأن
رصد أقمار المشترى. و هذا الرصد قد تسبب في إنقلاب فكرة حتمية دوران
الأجرام السماوية حول الأرض. و لقد قام جاليليو بنشر الشرح الكامل لتلك الأرصاد في
كتابة "رسول النجوم" في مارس من عام 1610.
لقد رصد جاليليو بتليسكوبه في 7 يناير من عام
1610 ما قد قام بوصفه في ذلك الوقت على أنه "ثلاثة نجوم ثابتة و غير مرئية(100) تماماً بسبب صغر
حجمهم"، و جميعهم يقعوا على خط مستقيم بالقرب من كوكب المشترى.(101) و الأرصاد التي
تمت في الليالي التي تلتها قد أظهرت أن مواقع هذه "النجوم" بالنسبة
لكوكب المشترى كانت تتغير بطريقة غير متوقعة إذا كانت هذه الأجرام السماوية بالفعل
نجوم ثابتة. كما لاحظ جاليليو في 10 يناير أن أحدهم قد إختفى، و هي ملحوظة أرجعها
جاليليو إلى كونه قد أصبح خلف كوكب المشترى. و إستنتج جاليليو بعد عدة أيام أنهم يدورون حول كوكب المشترى.(102) فقد إكتشف
جاليليو ثلاثة من مجموع أكبر أربعة أفلاك (أقمار) تدور حول المشترى. كما أنه قد إكتشف
الرابع في 13 يناير. و لقد أطلق جاليليو على مجموعة هذه الأفلاك الأربعة النجوم
الميديتشية تكريماً لكفيله المستقبلي (كوزيمو الثاني الميديتشي (دوق توسكانيا
الكبير)، و أخوة كوزيمو الثلاثة).(103) إلا أن الفلكيين
لاحقاً قد أعادوا تسميتهم إلى أقمار جاليليو تكريماً لمن إكتشفهم. و أسماء هذه الأقمار
الآن هي: أيو، و أوروبا، و جناميد، و كوليستو.
إن ملاحظات جاليليو عن أقمار المشترى تسببت
في ثورة فلكية: فوجود كوكب تدور حوله كواكب أصغر منه أمر لا يتفق مع مبادئ الكوزمولوجيا الأرسطوتية، فهذه المبادئ قد
تمسكت بأن كل الأجرام السماوية لابد أن تدور حول الأرض،(104) و العديد من
الفلكيين و الفلاسفة قد رفضوا تصديق أن جاليليو يمكنه إكتشاف مثل تلك الأمور.(105) و لقد أكدت
ملاحظات جاليليو ما قام كريستوفر كلافيوس برصده و تم إستقباله
إستقبال الأبطال عندما زار روما في عام 1611.(106) ثم إستمر جاليليو
في رصد تصرف هذه الأقمار على مدار الثمانية عشر شهراً التالية، و في منتصف عام
1611 قد توصل (و بشكل ملفت إلى النظر) إلى تقديرات دقيقية حول الدورة الزمنية
اللازمة لدورانهم حول المشترى – و هو عمل بطولي إعتقده كيبلر أمراً مستحيلاً.(107)
كواكب الزهرة و زحل و
نيبتون
أطوار كوكب الزهرة كما رصدها جاليليو في عام 1610.
لقد لاحظ جاليليو منذ سبتمبر عام 1610 أن كوكب الزهرة يمر بأطوار مشابهة لأطوار القمر. و يتنبأ نموذج المركزية الشمسية الذي وضعه نيكولس كوبرنيكس بأن كل الأطوار
ستكون مرئية حيث أن مدار كوكب الزهرة حول الشمس سينيرها إضاءة نصف كروية مواجهة للأرض و ذلك عندما يقع
الكوكب على الجانب المقابل للأرض من الشمس و سوف تختفي هذه الإضاءة عندما يقع كوكب
الزهرة في نفس جانب الأرض من الشمس. و من جهة أخرى طبقاً لنموذج مركزية الأرض البطليموسي، فإنه من المستحيل لأي مدار كوكبي أن يتقاطع مع الشمس.
فتقليديا قد تم وضع مدار كوكب الزهرة بالكامل في الجانب الأقرب من الشمس، و
بالتالي فسوف لا يعرض أطواره إلا بداية فقط من الطور الهلالي. إلا انه مع ذلك كان
من الممكن أن يتم وضع مدار كوكب الزهرة بالكامل في الجانب الأبعد من الشمس و
بالتالي فسوف لا يعرض أطوارة إلا بداية فقط من الطور المحدودب. و بالتالي أصبح هذا
النموذج البطليموسي لا يمكن الدفاع عنه بعد ملاحظات جاليليو التليسكوبية عن الطور
الهلالي و المحدودب و أطوار كوكب الزهرة جميعها. و كنتيجة طبيعية لإكتشافات
جاليليو فقد تحول الغالبية العظمى من الفلكيين في بداية القرن السابع عشر إلى إحدى
النماذج المتعددة لمركزية الشمس الكوكبية،(108) و من أمثلة هذه
النماذج نجد النموذج التايكوني و النموذج الكباليني و النموذج الكباليني الموسّع،(109) و كلاً منهم إما
يحتوي على الدوران اليومي لكوكب الأرض أو بدونه. و كل هذه النماذج تتمتع بقوة
تفسيرها لأطوار كوكب الزهرة بدون الحاجة إلى "تفنيد" التنبئ الكلي
لإختلاف المنظور النجمي طبقاً للمركزية الشمسية. و بالتالي يمكن القول بأن إكتشاف جاليليو
لأطوار كوكب الزهرة كان هو أكثر الإكتشافات التي ساهمت و أثَّرت بشكل عملي و
تجريبي على مرحلتي الإنتقال من المركزية الأرضية الكاملة إلى المركزية الشمسية
الكاملة مروراً بالمركزية الأرضوشمسية.
لقد رصد جاليليو كوكب زحل، و في البداية إعتقد خطأً أن حلقاته هي كواكب، ظناً منه
أنه منظومة مكونة من ثلاثة أجسام. و عندما رصد كوكب زحل في وقت لاحق، كانت حلقاته
مواجهة بشكل مباشر إلى الأرض مما جعله يظن إختفاء جسمين من الثلاثة أجسام المكونة
له. و عندما رصد الكوكب في عام 1616 ظهرت حلقاته مرة أخرى، مما تسبب في زيادة
حيرته.(110)
كما أن جاليليو رصد أيضاً كوكب نيبتون في عام 1612. فقد ظهر في كراسة مذكراته على أنه نجم غير
ملحوظ من ضمن العديد من النجوم الخافتة. و على الرغم من أنه لم يدرك أنه كوكب من
الكواكب إلا أنه قد دوّن حركته بالنسبة للنجوم قبل أن يفقد أثره.(111)
البقع الشمسية
كان جاليليو من أول الأوربيين الذين رصدوا البقع الشمسية، و على الرغم من أن كيبلر قد رصد بطريقة عفوية احد
البقع في عام 1607 إلا أنه إعتقد خطأً بأنه تأثير مرور كوكب عطارد بين الأرض و الشمس. كما أنه(من هو) أعاد أيضاً تفسير ملاحظات البقع الشمسية التي تم رصدها في زمن تشارلِمَين، و التي تم إيعازها فيما سبق (بشكل مستحيل
حدوثه) إلى مرور كوكب عطارد. و مجرد وجود البقع الشمسية فإنه يظهر مشكلة
أخرى مرتبطة بعدم تغيير الكمال السماوي الذي تم إفتراضه في فيزياء الأجرام
السماوية الأرثوزوكسية الأروسطاتية. كما أن التغيير السنوي في حركة البقع الشمسية (التي
إكتشفها فرانسيسكو سيتزي و آخرون في فترة 1612 – 1613(112)) تضع حججاً قوية
تعارض كلاً من المنظومة البطلميية و منظومة مركزية الأرضوشمسية لتايكو براه.(113) و النزاع حول
أسبقية إكتشاف البقع الشمسية و تفسيرها وضعت جاليليو في عداء طويل و مرير مع الياسوعي كريستوف شاينِر. و في الحقيقة يوجد قليل من الشك في أن كلاً منهما قد تعرضا للضرب من
قِبَل ديفيد فابريتشوس و إبنه يوهانس. و في عام 1615 إعتمد
شاينر بسرعة إقتراح كيبلر في تصميم التيلسكوب و الذي يعطي نسبة تكبير أكبر على
حساب إعطاءه الصور مقلوبة؛ و يبدو أن جاليليو لم يعدل مطلقاً تليسكوبه وفقاً
لتصميم كيبلر.
القمر
قبل أن يقوم جاليليو بتركيب نسخته
التيلسكوبية قام بالفعل توماس هاريوت (عالم رياضيات و مستكشف) بإستخدام ما قد
أطلق عليه إسم "الأنبوب المنظوري" لرصد القمر. و عندما كتب هاريوت
ملاحظاته ذكر فقط ما أسماه "بقع غريبه" عند إنحسار الطور الهلالي و كان
جاهلاً بأسبابه. إلا أن جاليليو قد فهم أن هذه الأشكال من الإضاءة و التظليل هي في
الحقيقة علامات طوبوغرافية، و يرجع ذلك جزئياً إلى تدريبه الفني(25) و معرفته بالتباين الضوئي(24). و رغم أن
جاليليو لم يكن الإنسان الوحيد الذي قام برصد القمر من خلال تليسكوب إلا أنه كان
أول من إستنتج أن سبب الإنحسار الضوئي المتفاوت هو إعاقة أسطح الجبال القمرية و الفوهات لإنتشار الضوء بإنتظام. كما أنه قام أيضاً
في دراسته برسم خريطة طوبوغرافية حاول من خلالها تقدير إرتفاعات الجبال. فالقمر
ليس كما كان يُعتقد لفترة طويلة على أنه كرة مثالية نصف شفافة (كما كان يدعي
أرسطو)، كما أنه ليس بالكاد أول "كوكب على هيئة لؤلؤة يصعد بإعجوبة إلى
السماء السامية" كما روج لها دانتي.
النجوم و درب التبانة
لقد رصد جاليليو مجرة درب التبانة التي كانت تُعتقد سابقاً أنها عبارة عن سديم، و وجد أنها مجموعة كبيرة من النجوم متجمعة بكثافة بحيث أنها تبدو من الأرض كأنها مجموعة من
الغيوم. و حدد مواقع أخرى لعدد من النجوم بعيدة لدرجة أنها لا يمكن رؤيتها بالعين
المجردة. و في عام 1617 رصد النجم المزدوج
الأِزَار في برج الدب الأكبر.(114)
لقد ذكر جاليليو في كتاب رسول النجوم
أن النجوم تبدوا كأنها مجرد شعلة من الضوء لا يتغير شكلها بشكل أساسي عبر
التليسكوب، و يتباين شكلها عن شكل الكواكب التي يكشف التليسكوب النقاب عنها فتظهر
على شكل أقراص. و لكن بعد ذلك بوقت قصير ذكر جاليليو في رسالته حول البقع الشمسية،
أن التليسكوب كشف النقاب عن شكل كلاً من النجوم و الكواكب فكانت "دائرية
تماماً". و إستمر منذ هذه النقطة في ذكر أن التليسكوب يبين إستدارة النجوم، و
أن أقطار النجوم التي تمت رؤيتها من خلال التليسكوب مقاسها يُقدر ببضعة ثواني
قوسية.(115) كما أنه قد إبتكر
أيضاً طريقة لقياس الحجم الظاهري للنجوم بدون إستخدام تليسكوب. و كما وصف في كتابه
حوار يتعلق بمنظومتي العالم الرئيسيتين أن طريقته تعتمد على تعليق حبل رفيع
في إتجاه رؤيته إلى النجم و قياس أقصى مسافة يمكن أن يحجب الحبل من خلالها رؤية
النجم بالكامل. و من خلال قياساته لهذه المسافة و مقدار عرض الحبل تمكن من حساب
الزاوية المقابلة للنجم عند نقطة رؤيته لها.(116) و قد ذكر في حواره
أنه قد وجد قطر نجم من الدرجة الأولى لا يتعدى خمسة ثواني قوسية، و أن قطر نجم من درجة 1/6
يساوي حوالي 5/6
ثانية قوسية. و كان جاليليو مثله مثل باقي الفلكيين في عصره لا يدرك ان الحجم الظاهري
للنجوم التي قام بقياسها كان زائفاً، و ذلك نتيجة ظاهرة الإنكسار الضوئي و التشوية
الذي يحدثه الغلاف الجوي للضوء الساقط عليه (أنظر القرص المرئي أو القرص الهوائي)، و بناء عليه فإن هذه القياسات لا تمثل الحجم الحقيقي للنجوم. و مع ذلك
فإن القيم التي إستنتجها جاليليو كانت اصغر بكثير من الحجم الظاهري الذي تم تقديره
سابقاً لأكثر النجوم سطوعاً، و من أمثلة تلك القيم ما قام بتقديرها تايكو براه (أنظر الإستشراء الفلكي)، كما أن حسابات جاليليو قد ساعدته على
مواجهة الحجج المضادة للرؤية الكوبرنيكية، و من ضمن تلك الحجج الحجة التي طرحها
تايكو بأن تلك النجوم ستكون كبيرة على نحو سخيف نظراً لأن إختلاف المنظور السنوي
سيكون غير قابل للكشف.(117) و لقد قام فلكيين
آخرين مثل سيمون ماريوس و جيوفاني باتيسطا ريتشوللي و مارتنيوس هورتنسيوس بعمل قياسات مشابهة للنجوم، إلا أن ماريوس و ريتشوللي خلصوا إلى أن هذه
الأحجام الصغيرة ليست بالصغر الكافي للرد على حجج تايكو.(118)
لقد قام جاليليو بعمل العديد من المساهمات
فيما يُعرف اليوم بالهندسة، و لقد أطلق عليها ذلك الإسم لتمييزها عن الفيزياء
البحتة. و هذا التمييز يختلف عن ما قام أرسطو بوضعه، فوفقاً له كانت فيزياء
جاليليو ستقع ضمن techno
أو المعرفة المفيدة، و التي يقع في مقابلها episteme
أو الدراسة الفلسفية لأسباب الأشياء. و في الفترة ما بين عامي 1595 و 1598 قام
جاليليو بإبتكار و تحسين الفرجار الهندسي و الحربي المناسب لإستخدام المدفعجية و المسّاحين. و ذلك كان إمتداد للأجهزة السابقة التي قام
بتصميمها نيكولا تارتاليا و جويدوبالدو ديل مونتى. فبالنسبة للمدفعجية قد وفرت لهم وسيلة سريعة في حساب شحنة البارود اللازمة
لقذائف المدفعية بإختلاف احجامها و مواد تصنيعها، و ذلك بالإضافة إلى أنها كانت
طريقة آمنة لضبط مستويات نشان المدافع بدقة. و إستخدامها كجهاز هندسي قد ساعد في تشييد أي مُضَلَّع منتظم، و ذلك لأنها تدخل في حساب مساحة أي قطاع دائري
أو مضلع و تساعد على التحقق من حساب مساحة أي أشكال أخرى. و قام صانع الأجهزة مارك أنطونيو ماتزوليني تحت توجيهات
جاليليو بصناعة ما يزيد عن 100 فرجار قام جاليليو ببيع الواحد منها (بالإضافة إلى
كراسة تعليمات الإستخدام التي قام جاليليو بكتابتها) بسعر 50 ليرة، كما أنه عَرَضَ
تقديم دورة تدريبية لشرح طريقة إستخدام الفرجار بسعر 120 ليرة.(119)
فرجار جاليليو الهندسي و الحربي، يُعتقد أنه
تمت صناعته في عام 1604 على يد صانع أجهزته الشخصية مارك أنطونيو ماتزوليني.
في حوالي عام 1593 قام جاليليو بتشييد ترمومتر يستفيد من إنكماش و تممد هواء داخل بُصَيْلَة
في تحريك مياه داخل الأنبوبة المتصلة بها.
في عام 1609 كان جاليليو (جنباً إلى جنب
الإنجليزي توماس هاريوت و آخرون) ضمن أول من إستخدم التليسكوب الإنكساري كجهاز
لمراقبة النجوم أو الكواكب أو القمر. و لقد صاغ كلمة "تليسكوب" كإسم علم
على جهاز جاليليو عالم الرياضيات اليوناني جيوفاني دميسياني(120)، و ذلك في مأدبة
عشاء أقامها الأمير فريدريكو تشازي عام 1511 على شرف تنصيب جاليليو عضواً في أكاديمية دي لنشاي التي يملكها.(121) و لقد تم إشتقاق
هذه الكلمة من الكلمات اليونانية tele = "بعيد" و كلمة skopein
= "على النظر أو الرؤية". و في عام 1510 إستخدم التليسكوب على مقربة من
حشرة لتكبير أعضائها.(122) و حوالي عام 1524
قام جاليليو بإستخدام(123) ميكروسكوب مركب. و
في مايو من نفس العام أعطى إلى الكاردينال زولليرن نسخة من تلك الأجهزة ليقوم
بإستخدامها في تقديم عرض إلى الدوق البافاري،(124) و في سبتمبر أرسل
نسخة أخرى إلى الأمير تشازي.(125) و بعد مرور عام
كان المنتسبين إلى أكاديمية دي لنشاي لهم دور مرة أخرى في تسمية "الميكرسكوب"، و
ذلك عندما قام الزميل و العضو الأكاديمي جيوفاني فيبر بصياغة الكلمة كإسم علم على إختراع جاليليو
من الكلمات اليونانية micron =
"صغير" و skopein = "على
النظر أو الرؤية". و تمت صياغة هذه الكلمة بشكل متعمد لتكون مماثلة لكلمة
"تليسكوب".(126)(127) فالرسومات
التوضيحية للحشرات بإستخدام أحد ميكروسكوبات جاليليو التي تم نشرها في 1625، يبدوا
أنها تعتبر أول توثيق واضح
لإستخدام الميكروسكوب المركب.(128)
في عام 1612 بعد تحديد الدورة الزمنية
اللازمة لدوران أقمار المشترى في مداراتها، إقترح جاليليو أنه بناءً على كفاية هذه
المعلومات الدقيقة فإنه يمكننا الإستفادة من مواضع أقمار المشترى في مداراتها و
إستخدامها كساعة عالمية، و ذلك سيتيح إمكانية تحديد خطوط الطول. و كان جاليليو يشتغل على هذه المسألة من
وقت إلى آخر خلال الفترة الباقية من حياته؛ إلا أن المشاكل العملية المصاحبة لها
كانت في منتهى الصعوبة. و كان جوفاني دومينيكو كاسيني أول من طبق هذه الطريقة بنجاح عام 1681، و تم لاحقاً إستخدامها بتوسع في مُسُوحَات
الأراضي الكبيرة؛ فعلى سبيل المثال قد تم إستخدامها في مسح الأراضي الفرنسية، كما
إستخدمها لاحقاً زابيولن بايك في مسح أراضي الغرب الأوسط من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1806. و بالنسبة
للملاحة البحرية التي نجد فيها أن المراقبة التليسكوبية الدقيقة أشد صعوبة، فإن
مشكلة تحديد خطوط العرض في نهاية الأمر تحتاج إلى تطوير الكرونومتر البحري المحمول مثل تلك التي نجدها في جهاز جون هاريسون.(129) و في آخر حياة
جاليليو عندما فقد بصره تماماً، قد قام بتصميم آلية ميزان بندول الساعة (و تدعى ميزان جاليليو)، على الرغم من أنه لم يتم بناء ساعة تستخدم
هذه الآلية حتى قام كريستيان هيجنز في خمسينيات القرن السابع عشر ببناء أول
ساعة تعمل بالكامل بالبندول.
الفيزياء
إن الأعمال النظرية و التجريبية لجاليليو
الخاصة بحركة الأجسام، بالإضافة إلى الأعمال المستقلة إلى حد كبير لكيبلر و رينيه ديكارت، كانت تمهيدا للميكانيكا الكلاسيكية التي قام
بتطويرها إسحق نيوتن. فلقد أجرى جاليليو العديد من التجارب بإستخداخم البندول. و يُعتقد شعبياً أنها بدأت (و يرجع الفضل
في ذلك إلى السيرة الذاتية التي كتبها فينتشنزو فيفياني) عندما شاهد جاليليو النجف البرونزي يتأرجح
في كتدرائية بيزا و إستخدم دقات قلبه كمُؤقِّت. و قام جاليليو بشرح تجاربه اللاحقة
في كتابه العِلْمَين الجديدين. و أدعى جاليليو أن البندول البسيط متساوي الزمن، أي أن تأرجحه يأخذ دائماً نفس الزمن بغض النظر عن مقدار المسافة التي يتأرجحها. و في الواقع إنها
حقيقة تقريبية فقط(130) كما إكتشفها كريستيان هيجنز. كما وجد جاليليو أيضاً أن مربع الزمن
اللازم لتأرجح كامل يتناسب طردياً مع طول البندول. و قام إبن جاليليو (فينتشنزو)
بعمل رسم تخطيطي لساعة بناء على نظرية والده في 1642. إلا أن هذه الساعة لم يتم
تركيبها مطلقاً نظراً للتأرجح الكبير الذي تحتاجه العجلة المسننة لميزانها الوقتي. (أنظر الهندسة عاليه)
إن شهرة جاليليو كأحد أول من فهموا التردد
الصوتي أقل من شهرته في المجالات الأخرى إلا أن الفضل في إكتشافها يظل يعود إليه.
فعندما قام بكشط أزميل بسرعات مختلفة، ربط مستوى الصوت الناتج عن هذه العملية
بمسافات قفز الأزميل و إعتبرها مقياس للتردد الصوتي. و في عام 1638 قام جاليليو
بوصف طريقة تجريبية لقياس سرعة الضوء، فقام بتجهيز فانوسين بشيش قابل للفتح و
الغلق، و وظّف إثنين من المراقبين كل واحد منهما يحمل كشاف و كلاً منهما يراقب
كشاف الآخر على مسافات مختلفة. فيقوم المراقب الأول بفتح شيش كشافه و عندما يشاهد
المراقب الثاني الضوء من الكشاف الأول يفتح في الحال شيش الكشاف الذي يحمله. فيدل
الزمن الواقع بين فتح المراقب الأول لشيش كشافه و مشاهدة المراقب الثاني لضوء
الكشاف الأول على المدة الزمنية اللازمة لإنتقال الضوء بين المراقبين ذهاباً و
عودة. و ذكر جاليليو أنه عندما حاول أن يجري هذه التجربة على مسافة أقل من ميل كان
غير قادر على تحديد ما إذا كان الضوء يظهر بشكل متزامن من عدمه.(131) و في زمن ما بين
وفاة جاليليو و عام 1667 قام أعضاء من أكاديمية ديل شمنتو الفلورنسية بتكرار نفس
التجربة على مسافة ميل تقريباً و حصلوا على نفس النتيجة الغير حاسمة.(132) أما الآن فنحن
على علم بأن سرعة الضوء أسرع بكثير من أن يتم قياسها بهذه الطريقة (بفتح و غلق شيش
بطريقة بشرية على سطح الكرة الأرضية)
لقد طرح جاليليو المبادئ الأساسية للنظرية النسبية، و التي تنص على أن كل القوانين الفيزيائية لا تتغير في أي منظومة تتحرك
بسرعة ثابتة في خط مستقيم بغض النظر عن مقدار سرعتها أو إتجاهها. و بالتالي فإنه
لا توجد حركة مطلقة أو ثبات مطلق. و وضعت هذه المبادئ أساس البنية الفكرية لقوانين
نيوتن للحركة و أصبحت مركزية للنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين.
سقوط الأجسام
لقد نص تلميذ جاليليو فينتشنزو فيفياني في السيرة الذاتية أن
جاليليو قد أسقط كرات لها نفس المادة و
لكنها مختلفة في الكتلة من فوق برج بيزا المائل ليبين أن زمن سقوطهم لا يعتمد على كتلتهم.(133) و ذلك كان مخالفاً
لما قام أرسطو بتدريسه: بأن الأجسام الثقيلة تسقط أسرع من الأجسام الخفيفة بما
يتناسب طردياً مع أوزانها.(134) و بينما قد تم
سرد هذه القصة في الروايات الشعبية، إلا أنه لا توجد لهذه التجربة شواهد عند
جليليو نفسه، و لقد قام المؤرخون بقبولها بشكل عام بأنها على الأقل كانت تجربة ظنية لم تحدث على أرض الواقع.(135) بإستثناء دريك(136) الذي جادل بأن
التجربة قد تم إجرائها و لو على الأقل مرة واحدة كما وصفها فيفيان. إلا أن التجربة
التي تم وصفها قد قام بإجرائها بالفعل سيمون ستيفن (معروف شعبياً بإسم ستيفينيوس)،(23) إلا أن المبنى
الذي إستخدمة في إجراء التجربة كان في الحقيقة برج كنيسة مدينة دلفت في عام 1586.(137) و على الرغم من
ذلك فإن معظم تجارب السقوط الحر قد تم إجراءها على مستويات مائلة حيث كانت فيها
كلاً من مشكلتي التوقيت و مقاومة الهواء أخف وطئةً.
في كتابه المناقشات عام 1638 نجد أن
شخصية سلفياتي (التي على نطاق واسع قد تم إعتبارها متحدثة بإسم جاليليو) قد تمسكت
بأن كل الأوزان الغير متساوية سوف تسقط في الفراغ بسرعات محدودة و متساوية. إلا أن
هذا الرأي قد قام بإقتراحه من قبل لوكرتوس(138) و سيمون ستيف.(139) كما أن كريستيانو بانتي سلفياتي قد تمسك أيضاً بأنه من الممكن توضيح ذلك
تجريبياً عن طريق مقارنة حركة البندول في الهواء بعد تزويده بكرات من الرصاص مرة و
كرات من الفللين مرة أخرى حتى يكون البندول ذو وزن مختلف في كل مرة و لكنه من
الناحية الأخرى يكون له نفس الشكل.
لقد إقترح جاليليو أن الأجسام تسقط سقوطاً
حراً بتسارع منتظم، و ذلك طالما ظل مقدار مقاومة الوسط الذي تسقط من خلاله مهملاً،
أو في حالتها القصوى عندما تسقط خلال الفراغ.(140) كما أنه إشتق
أيضاً قانون التحرك الصحيح اللازم لحساب المسافة المقطوعة أثناء التسارع المنتظم بدايةً من حالة السكون – أي أنها تتناسب طرديا
مع مربع الزمن المنصرم (d α t2).(141) و قبل جاليليو
قام نيكول أورسما في القرن الرابع عشر بإشتقاق قانون الزمن التربيعي للتغير ذو التسارع
المنتظم،(142) كما إقترح دومنجو دي سوتو في القرن السادس عشر بأن الأجسام التي تسقط
سقوطاً حراً من خلال وسط متجانس ستكون متسارعة تسارعاً منتظما. (143) لقد عبر جاليليو
عن قانون التربيع الزمني بكلمات إنشائية ذات طابع هندسي و دقة رياضية، أي أنها
ملتزمة بمعايير الزمن الحالي. (القانون ظل في صورته الإنشائية حتى قام آخرون
بإعادة التعبير عنه بمصطلحات جبرية).
إن جاليليو خَلُصَ أيضاً إلى أن الأجسام
تحتفظ بسرعتها ما لم تؤثر عليها قوى خارجية (في أغلب الأحيان هي قوى الإحتكاك)، و ذلك يدحض الإفتراض الأرسطوتي الذي لاقى
قبولاً عاماً بأن الأجسام "بطبيعتها" تبطئ من سرعتها حتى تتوقف ما لم
يتم التأثير عليها بقوى خارجية. و على الرغم من أن المفهوم الفلسفي الخاص بالقصور الذاتي قد إقترحه قبله بعدة قرون جون فيليبونوس، و كذلك فعلها جان بوريدان، و وفقاً للعالم و المؤرخ جوزيف نيدام فإن الفيلسوف الصيني مو تزو قد إقترحها قبل كلاً منها بعدة قرون؛ إلا أن جاليليو
كان أول من عبر عنها بطريقة رياضية، و تحقق منها تجريبياً ، و قدّم فكرة قوى الإحتكاك التي كانت الإنطلاقة الرئيسية في التحقق من
صحة ذلك المفهوم. و تنص مبادئ مفهوم جاليليو عن القصور الذاتي على أن: "الجسم
المتحرك على سطح مستوي سيستمر في التحرك في نفس الإتجاه و بنفس السرعة ما لم تتم
إعاقته." و هذا المفهوم قد تضمّنه قانون نيوتن للحركة (القانون الأول).
الرياضيات
بينما كانت التطبيقات الرياضية على التجارب
الفيزيائية عملاً مبتكراً، فإن بعضاً من أساليب جاليليو الرياضية كانت تعتبر من
معايير العمل العلمي في زمانه، و يتضمن ذلك العشرات من أمثلة أسلوب التناسب العكسي
للجذر التربيعي الذي تم تناقله عبر الأجيال بداية من أرشميدس و مروراً بفيبوناتشي. فالإثبات و التحليل يعتمد بشدة على نظرية التناسب لأودوكسوس، و ذلك على النحو المبين في الكتاب الخامس لعناصر أقليدس. و هذه النظرية لم تصبح متاحة إلا قبل قرن
من ظهور جاليليو، و يرجع الفضل في ذلك إلى الترجمة التي قام بها ترتاليا و آخرون؛ إلا أنه قبيل وفاة جاليليو قد حل
محلها الأسلوب الجبري لديكارت.
لقد ساهم جاليليو في وضع أسلوب عدم التجزئة،
و هو الإسلوب المعروف اليوم بمبادئ كالفانيري، و الذي يتعلق بالنسخة القديمة من حساب
التفاضل.(144) و بينما كان في
جامعة بادووا عام 1604 قام بإختبار أسلوب عدم التجزئة في صياغة قانونه عن السقوط
الحر للأجسام.(145) و منذ عام 1621 و
ما تلاه من أعوام قام هو و كالفانيري بتبادل مجموعة من الرسالات يستكشفون من
خلالها فرضية أن التواصل يتكون من ما هو غير قابل للتجزئة، و هي نظرية عارضها
بضراوة الياسوعيين حيث أنها تتعارض مع العقيدة الأروسطاتية (ألكسند، صفحة 86).
إن المفهوم المعروف اليوم بمفارقة جاليليو لم يقوم هو بإنشائه. و
الحل الذي إقترحه بأن الأرقام اللانهائية لا يمكن مقارنتها لم يعد اليوم مفيداً.
كتاباته
يتضمن أول أعمال جاليليو عن وصف الأجهزة
العلمية ورقة بعنوان "الميزان الصغير" (La Billanetta)
تشرح ميزان دقيق يمكنه وزن الأشياء في الهواء
أو المياه(146)، و كراسة تعليمات
مطبوعة عام 1606 بعنوان Le Operazioni del Compasso Geometrico et Militare حول طريقة عمل الفرجار الهندسي و الحربي.(147)
كان كتابه المنشور عام 1590 في بيزا بعنوان De Motu (حول الحركة) و كتابه المنشور عام 1600 في
بادووا بعنوان Le
Meccaniche (الميكانيكا) من أول أعماله عن الديناميكا و علوم الحركة و الميكانيكا. أما الكتاب
الأول فهو مبنى على ديناميكا موائع أرشميدس و أرسطو التي تتمسك بأن سرعة جاذبية
السقوط الحر في الموائع يتناسب طردياً مع الزيادة في الوزن النوعي للأجسام عن
نظيرها في تلك الموائع، بينما سرعتها في الفراغ يتناسب طرديا مع الوزن النوعي
للأجسام الساقطة فقط. كما أنه أييد أيضاً ديناميكا القوة الدافعة لفليبوناس و التي
يرى فيها أن القوة الدافعة تختفي ذاتياً و بالضرورة سوف يصل السقوط الحر في الفراغ
إلى سرعة طرفية وفقاً للوزن النوعي بعد فترة إبتدائية من التسارع.
كانت مقالة جاليليو البحثية رسول النجوم (Sidereus Nuncius) في
عام 1610 أول مقالة يتم نشرها بناءً على ملاحظات تم رصدها عن طريق التليسكوب. و
ذكرت هذه المقالة إكتشافاته عن الآتي:
·
خشونة أسطح القمر؛
·
وجود عدد كبير من النجوم غير مرئية بالعين المجردة، و على وجه الخصوص تلك
النجوم المسئولة عن ظهور درب التبانة؛
·
الفرق بين شكل الكواكب و النجوم الثابتة – فالكواكب تظهر على شكل أقراص
صغيرة أما النجوم فتظهر على شكل نقطة ضوئية غير مُكبرة.
قام جاليليو في عام 1613 بنشر كتاب بعنوان رسالات
حول البقع الشمسية(148) يبين فيه مواصفات
تلك البقع التي تدل على أن الشمس و السماوات قابلة للفساد و ليست بهذا النقاء
المزعوم. كما أن ذلك الكتاب قد ذكر أرصاده التليسكوبية لعام 1610 و التي تتحدث عن
المجموعة الكاملة لأطوار كوكب الزهرة، و إكتشافه "للزوائد" المحيرة
لكوكب زحل و لغز إختفائها من بعد ظهورها. و في عام 1615 قام جليليو بإعداد مخطوطة
معروفة بإسم برسالة إلى الدوقة كرستينا الذي لم يتم نشره في صورة مطبوعة حتى عام 1636. و هذه
الرسالة كان عبارة عن نسخة تمت مراجعتها من رسالة إلى كاستيللي، و التي
إستنكرتها محاكم التفتيش و إعتبرتها غزو فكري على ثوابت اللاهوت حيث أنها تناصر الرؤية
الكوبرنيكية و تعتبر أنها حقيقة فيزيائية متوافقة مع الكتاب المقدس.(149) و في عام 1616
بعد أن أمرته محاكم التفتيش بعدم تمسكه أو الدفاع عن الموقف الكوبرنيكي، قام
جاليليو بكتابة مناقشات عن المد و الجذر (Discorso sul flusso e il reflusso del mare)
بناءً على شكل الأرض الكوبرنيكي في صورة رسالة إلى الكاردينال أورسيني.(150) و في عام 1619
قام تلميذ لجاليليو أسمه ماريو جويدوتشي بنشر محاضرة كتب جاليليو معظمها تحت عنوان
مناقشة حول المذنبات (Discorso Delle Comete)، يطرح فيها حجج مضادة للتفسير الياسوعي عن المذنبات.(151)
في عام 1623 قام جاليليو بنشر كتابه الفاحص – Il Saggiatore الذي يهاجم النظريات المبنية على سلطة أرسطو و دعى إلى
ترويج الصياغات الرياضية و التجريبية المبنية على الأفكار العلمية. و الكتاب حقق
نجاحاً كبيراً حتى انه وجد تأيداً من بين أعلى مراتب الكنيسة المسيحية.(152) و بعد نجاح كتاب الفاحص و في عام 1632 قام
جاليليو بنشر كتابه حوار يتعلق بمنظومتي العالم الرئيسيتين (Dialogo sopra i due massimi sistemi del
mondo). و على الرغم من حرصه على التمسك
بتعليمات محاكم التفتيش لعام 1616، فإن المزاعم الموجودة في الكتاب أدت بتفضيلها
النظرية الكوبرنيكية على نموذج مركزية الأرض للنظام الشمسي إلى محاكمة جاليليو و
حظر نشر كتبه. و على الرغم من حظر النشر فإن جاليليو نجح في نشر كتابه مناقشات و براهين رياضية متعلقة بالعلمين الجديدين (Discorsi e Dimostrazioni Matematiche, intorno a due nuove scienze) في
هولندا عام 1638 الواقعة خارج إختصاصات محاكم التفتيش.
ملخص عن الأعمال المنشورة
لجاليليو
إن الأعمال الرئيسية المكتوبة لجاليليو هي
كالتالي:
·
الميزان الصغير (1585)
·
حول الحركة (1590)(153)
·
الميكانيكا (حوالي 1600)
·
مناقشات حول الأجسام
الطافية (1612)
·
رسالات حول البقع
الشمسية (1613)
·
مناقشات حول المذنبات
(1619؛ بالإيطالي، Discorso
Delle Comete)
·
الفاحص (1623؛ بالإيطالي، Il Saggiatore)
·
حوار يتعلق بمنظومتي العالم الرئيسيتين (1632؛ بالإيطالي، Dialogo dei due massimi sistemi del mondo)
·
مناقشات و براهين
رياضية متعلقة بالعلمين الجديدين (1638؛ بالإيطالي، Discorsi e Dimostrazioni Matematiche,
intorno a due nuove scienze)
التراث
إعادة تقييم الكنيسة
لأعمال جاليليو في القرون اللاحقة
إن قضية جاليليو أصبحت في طي النسيان بعد
وفاته، و هدأ الخلاف. و في عام 1718 تم رفع الحظر الذي فرضته محاكم التفتيش على
إعادة طبع أعمال جاليليو، و ذلك عندما تم منح الإذن بنشر نسخة من أعماله في
فلورنسا (بإستثناء كتاب الحوار المُدان).(154) و في عام 1741
سمح البابا بَنَدِكت الرابع عشر بنشر نسخة من جميع الأعمال العلمية لجاليليو(155) و التي تتضمن
نسخة من كتاب الحوار بعد أن خضعت لرقابة طفيفة على محتواها.(156) و في عام 1758 تم
إزالة الحظر العام على الأعمال التي تدعوا إلى نظرية مركزية الشمس من قائمة الكتب المحظورة، إلا أنه قد ظل الحظر على النسخ التي لم تخضع للرقابة من كتابي الحوار
و ثورات كوبرنيكس.(157) و في عام 1835
إختفت كل بقايا المناهضة الرسمية للكنيسة حول نظرية مركزية الشمس عندما تمت الإزالة
النهائية لكل هذه الأعمال من قائمة الكتب المحظورة.(158)
الإهتمام بقضية جاليليو تم إعادة أحيائها في
أوائل القرن التاسع عشر، عندما إستخدمها المجادلين البروتستنتيين لمهاجمة طائفة
الروم الكاثوليك (بالإضافة إلى أحداث أخرى مثل محاكم التفتيش الأسبانية و أسطورة الأرض المسطحة).(9) إلا أن الإهتمام
بها قد تضائل بعد ذلك التاريخ. و في عام 1939 قام البابا بايوس الثاني عشر - في أول خطبة له
أمام الأكاديمية البابوية للعلوم و بعد أشهر قليلة من إنتخابه للمنصب الباباوي –
بوصف جاليليو على أنه يقع من بين "أعظم أبطال البحث العلمي جراءةً ... لا
يهاب العثرات و المخاطر في الطريق ولا يخاف من آثارها التعيسة".(159) و لقد كتب
المستشار المُقرب له لمدة 40 عاماً بأن: "البابا بايوس الثاني عشر كان في
منتهى الحرص على أن لا يغلق أي باب (أمام العلم) قبل الأوان. و كان نشيطاً في تلك
النقطة، كما أنه أعرب عن أسفه لما حدث في حالة جاليليو."(160)
في فبراير من عام 1990 قد قام الكاردينال راتزنجر (الذي أصبح فيما بعد البابا بنديكت السادس عشر) في محاضرة
ألقاها بجامعة سابيانزا بروما(161) بالإستشهاد ببعض وجهات
النظر الحالية التي تتعلق بقضية جاليليو على أنها تشكل ما أسماه "حالة عرضية
تسمح لنا بمشاهدة كيف يسير اليوم عمق الشك بالذات المصاحبة للعصر الحديث و العلوم
و التكنولوجيا".(162) و كانت بعض الرؤى
التي إستشهد بها من أقوال الفيلسوف بول فييرابند عندما قال "كانت الكنيسة
أيام جاليليو مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالمنطق أكثر من إرتباط جاليليو نفسه بها، كما
أنها أيضاً أخذت في الإعتبار العواقب الأخلاقية و الإجتماعية لتعاليم جاليليو.
فحكمها ضد جاليليو كان منطقي و عادل، و مراجعة هذا الحكم لا يمكن تبريره إلا على
أرضية ما هو مناسب سياسياً."(162) إلا أن
الكاردينال لم يشير بوضوح إلى ما إذا كان يتفق مع تأكيدات فييرابند أم يعارضها. و
مع ذلك فإنه قال "إلا أنه سيكون من الحماقة تكوين ردود إعتذارية مندفعة بناءً
على تلك الرؤى."(162)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق